د. مدحت عبد الجواد. الناقد الادبى قراءة في رواية (شرخ بجدار الخوف

 قراءة في رواية (شرخ بجدار الخوف / رواية للإعلامي: الروائى مصطفى كامل الشريف )

بقلم/ مدحت عبد الجواد









عندما أتناول عملا قصصيا أو روائيا فإنني أقرأه أكثر من مرة وفي كل مرة أبحث عن جوانب عدة:

 (الموضوع وعلاقته بالكاتب، والقارئ وتوقعاته بالنسبة للقصة/ الحبكة وبنيتها وطريقة عرضها وعنصر عدم الاستقرار أو التوتر فيها والصراع وتعقيده مع مراعاة قوانين الحبكة من المعقولية والمفاجأة والتشويق والترقب، والحبكة ودورها في الوحدة الفنية / الشخصيات ومحاكاتها للواقعية أو مدى الحرية والبساطة والتركيب فيها وتدرج التعقيد فيها ووظائفها وأساليب السرد لها المباشر والدرامي والسياقي والدافع للتصرفات/ والمحيط المحايد والروحي / وزاوية الرؤية هل هي رؤية العليم أم رواية البطل؟ وزاوية رؤية الشخصيات مع ترابطها بالقارئ والكاتب نفسه/ والأسلوب وعناصره ودلالاته وصوره المتكررة أو الحرفية أو البلاغية والرموز/ ثم الإيقاع والمفارقة والمغالاة والكبح العاطفي والإثقال العاطفي/ والشكل والمضمون التصويري أو المسرحي / والحوار ومدى الواقعية المادية، وما يقدمه من معلومات تكشف عن التواتر العاطفي / والثيمة والمغزى المستفاد من الرواية وعلاقتها بالمجتمع/ قيمة العمل الروائي وما المناهج النقدية التي يمكنها التعامل مع هذا العمل؟/ والتماسك والتعقيد والإنسانية والمهارة/ وعناصر الزمن والمكان ومدى توظيفه لهما، والتكنيك الفني الذي سلكه الراوي/وأخيرا التقويم...)، وهنا لا يسعفني الوقت لتناول كل هذه الجوانب، ولكني سأتحدث عن بعضها.    

الرواية اجتماعية رمزية واقعية، كتبت في خمسة وأربعين مشهدًا، بطرية العمل الدرامي، وكأن الكاتب أعدها سلفًا؛ لتصبح عملا تلفزيونيًا أو سينمائيا.

العنوان: شرخ بجدار الخوف يرتكز على استعارة مع الإيحاء بالأمل المتمثل في النور المنبعث من هذا الشرخ وتوظيف حرف الجر الذي يصنع تناصا مع القرآن الكريم في قصة سحرة فرعون.

الحكاية: تحكي الرواية (قلب وجناحين) فأما القلب تمثله حكاية الكاتب باسم سعيد الذي يؤلف رواية عن الحرية وهو متشكك في مدى قدرته على بيعها للمنتجين ويحلم بأن تصبح عملا تلفزيونيا أو سينمائيا، لكنه يصطدم بالواقع المرير الذي يعيشه (متطلبات الحياة-طبيعة الوسط الفني) والذي يشمل الوسط الفني جميعه بفساده، فيجبره هذا الوضع على بيع الرواية لشديد ابن نظام بيه رغبة في حصوله على المال بعد فشله في تحويل روايته لعمل سينمائي، ثم ينتهى به المطاف بالقتل رميا بالرصاص على يد شديد فكان جزاءه جزاء سنمار، وأما الجناحان فأحدهما: حكاية الصراع بين ظلم العمدة وسطوته والمتمثل في ظلمه لأهل القرية وفساده وتورطه ورجاله مع اللصوص ضد الفلاح عبد العال صابر وأهل القرية الذين عانوا منه أشد معناة، والجناح الآخر: يمثل حكاية نظام بك الوزير الأسبق ومدى فساده هو ابنه شديد الذي طال فساده التجارة والزراعة والتعليم والفن وتسلط على المجتمع بنفوذه، في مقابل طبقة المثقفين والمتعلمين الذين لم يستطيعوا التصدي لسطوته وكانت نهايتهم مؤلمه تمثلت في قتل العميد شوقي، وتشريد الطالب مدكور، واستسلام مساعد العميد إسماعيل للظلم.

الحبكة: الحبكة إذا كانت مهيمنة على الرواية فإن الاهتمام يكون منصبا على تطور الأحداث، أما إذا كانت الشخصيات تلعب دور المركزية، وهذا ينتج عنه دراسات الشخصيات، وقد يهيمن عنصر المكان وهنا يبرز الصراع بين الشخصيات والبيئة المكانية المعادية، وقد يكون المهيمن هو الموضوع، وهنا يتم دراسة علاقة الموضوع بالوضع الإنساني، وقد يكون الأسلوب هو المهيمن وهنا يراعى التكنيكات الفنية التي يستخدمها الروائي للسيطرة على الحبكة، وفي الرواية يتم دراسة التعقيد، والانتقال من الموضوع إلى أحداث الرواية.

مع ضرورة ربط الموضوع بالقارئ، وعلاقة الموضوع بالكاتب، مع مراعاة توقعات القارئ، أما عن قوانين الحبكة فإن أولها المعقولية وتتصف الحبكة بذلك عندما تكون متسقة مع نفسها، المفاجأة فإذا لم تتحقق يعد ذلك عيبا في الرواية، التشويق والترقب وتعني بها الشك في معرفة نتيجة القصة.  

الموضوع: هو المدخل الذي يرتكز عليه الروائي لمنح الرواية أقصى درجات الاستجابة الفنية.

والرواية هنا موضوعها، فكرة مفهوم الحرية من زوايا متعددة، من تداخل الصراع بين طبقات المجتمع المختلفة، بين (طبقة الفلاحين، وطبقة رجال السلطة، ورجال السياسة، والمثقفين، ورجال العلم، الشباب، والعاملين، والخدم) امتزجت كل الطبقات معًا في صراع حقيقي غير مفتعل من أجل تحقيق الذات تعبيرًا عن الحرية.

-عرضت الرواية جوانب اجتماعية عديدة، فقدمت لمشكلات اجتماعية في صور سلبية (مشكلة الظلم واستغلال السلطة والقوة والنفوذ تمثلت في العمدة في الريف، ونظام بك في المدينة، وابنه شديد، عرضت لمشكلة فساد رجال الدولة، عرضت لمشكلة الشخصيات الانتهازية والتي تعد أشد خطرًا على المجتمع، عرضت الرواية لمشكلة فساد الفن والإبداع، عرضت الرواية لمشكلة الأمن وتخليه عن دوره في مواجهة الجريمة واللصوص، عرضت الرواية لجوانب من فساد التعليم)، ربطت الرواية الحلول جميعها بحبل واحد هو العدل والحرية وأنه السبيل الوحيد لمواجهة كل هذه السلبيات التي استشرت في المجتمع. 

الحبكة: لا يمثل السرد الكتابي البسيط للأحداث داخل التسلسل الزمني في الرواية شغلا أساسيا لكاتب الأدب القصصي، فهناك أشياء أخرى تحتل مكانة أعظم لديه، فهو يصنع الحبكة الروائية بترتيب الأحداث داخل قصته، وفقا لعدد من المتطلبات، وليس وفقا للمتطلبات الزمنية الخالصة، وهذا يعني أن الحبكة الروائية تكشف الستار أمام أعيننا عن أحداث الرواية في علاقتها الزمنية والسببية، لكونها نموذجا معقدا ومتشابكا لكل من السبب والنتيجة.  

بنيت الرواية على ثلاثة محاور تتشابك معًا، وتلتقي في نقاط محددة واضحة بشكل طبيعي متسلسل ومنطقي، أولهما: الريف المصري، يدور الصراع بين العمدة عبد العاطي ذلك الرجل الظالم المستبد من جهة، ومن جهة أخرى أهل الريف الذين يعانون من ظلم العمدة عبد العاطي الذي يتخذ من قوته ودعم النظام له ركيزة فيتعامل مع الفلاحين بقسوة، ويسلبهم خيراتهم، ويستولي على أراضيهم، ويسجن من يشاء منهم، وهنا يظهر الفلاح صابر الذي يحاول أن يشكو من هذا الظلم فيقع في تحت طائل العمدة الذي يتفنن في زيادة الظلم الواقع عليه، خاصة بعد أن سرق اللصوص أبقاره، وحماره.

ثانيهما: محور المدينة الذي يمثله نظام بك ذلك الوزير الأسبق الذي مازال يتمتع بنفوذه رغم عدم وجوده في السلطة، وابنه شديد ذلك الولد المدلل الذي يستخدم المال إلى جانب سلطة والده ليفسد في المجتمع، وعندما يواجهه عميد الجامعة يلقى حتفه على يد أتباع شديد، وعندما يواجهه مدكور يتم تشريده فيتحول إلى بائع جرائد، ويضيع مستقبله. 

ثالثهما: طبقة المثقفين، الذين يمثلهم باسم سعيد، ذلك الكاتب الذي يظل يحتفظ بالأمل إلى أن يضطر لبيع حريته خوفا على أولاده ثم يقتل على يد شديد، وكأنه يعلن مقتل الحرية.

  الصراع: العناصر التي تميل إلى الزعزعة وعدم الاستقرار والتي توحد نفسها في الصراع العام (صراع بين الأهالي والعمدة/ صراع بين اللصوص والأهالي/ صراع بين فساد نظام بك وابنه شديد والعميد شوقي ومدكور) هو صراع بين قيم العدل والرحمة والمساواة في مقابل الظلم والقسوة والكذب والخداع / صراع بين نفوذ نظام بيه وظلمه وطمعه وجشعه وشديد ابنه ومن جهة دفاع مدكور عن قيم مضادة لكل ما سبق من فساد/ هذا الصراع يخلق تواترا متعددا في الرواية وينشر مشاعر متضاربة من هنا وهناك تكاد تسيطر على الرواية.

النهاية: تقدم صورة رمزية لانتحار الحرية، واستمرار السلبية والاستسلام للفساد الذي صار أقوى من كل القيم، حتى صور المقاومة التي أظهرها الكاتب كانت في الريف في صورة حلم ولم يكن الحلم خاص بأي من الأهالي بل كان الحلم صورة منعكسة للخوف الذي يشعر به العمدة والذي يدفعه بالطبع إلى مزيد من القسوة والظلم لإحكام القبضة على الأهالي، وكذلك اللجوء إلى نظام بك ليحميه إذا لزم الأمر.

الحوار والشخصيات: كان متناسبًا مع الشخصيات ومناسبا للأحداث وتسلسلها، وكذلك الشخصيات تم توظيفها بعناية فائقة ومتنوعة، بين الشخصيات المحورية والثانوية، والبسيطة والمركبة.

أساليب تصوير الشخصية: تنوعت بين السرد المباشر، والسرد الدرامي، والسرد السياقي، والخلط بين الأساليب مرتكزا على وسائل فنية مثل الحلم والتخيل، وتوظيف الارتداد وغيرها من التكنيكات الفنية.

الرمزية: تمثلت في توظيف الأسماء وتوظيف الألوان، وتوظيف الأماكن المرتفعة والمأذنة والفجر الذي يوحي بالأمل، بجانب الإسقاطات داخل السرد بشكل متميز ودون افتعال، بدا منطقيا متناسبا مع الحبكة.

-توظيف الزمان والمكان وتكنيك الحلم الذي كسر حاجز التوقع لدى القارئ، وعبر عن المفاجأة التي وظفها الكاتب لخلق عنصر التشويق ومتابعة الأحداث.

- الحلم لم يكن نابعا من طموح الأهالي بل كان نابعا من خوف الظالم على مكاسبه، وربما هذا يعكس الجانب أو الزاوية الخفية في حياة الظالم وربما كان أكثر فائدة للعمل الروائي.

...........................................................

ملاحظات على الرواية:

- بعض الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية.

- النهاية السلبية جعلت المتلقي يفقد الأمل في المستقبل المشرق فلم تقدم حلولا جذرية للفساد المستشري.

- الأحداث لم تكسر حاجز التوقع دائما حيث بدا بعضها منطقيا يتوقع حدوثه، وهذا يكسر عنصر المفاجأة.

..................................................

وهذا لا يقلل من قيمة العمل الرائع، وقدره، وجودة الإبداع، وتألق المبدع، الرواية عرضت بمعرض القاهرة للكتاب، وهى الآن بالمكتبات الكبرى.

..........................................................

دعواتي بالتوفيق للروائي والإعلامي الكبير صاحب جريدة كلمة حق / مصطفى كامل عبد الرحمن الشريف.

تعليقات