هل يُعَقّ الآباءُ أبناءهم؟
بقلم: مصطفى كامل الشريف
بين سندان الوجع... ومطرقة العقوق الصامت
تُطرح دائمًا مسألة برّ الأبناء للآباء باعتبارها أحد أركان الأخلاق والدين والمجتمع، لكن قلّما يُفتح الحديث عن الوجه الآخر للعملة: عقوق الآباء للأبناء.
فهل يعقل أن يكون الأب هو الجارح، وهو السبب في البُعد، والانكسار، والخذلان؟
الإجابة المؤلمة... نعم، يحدث.
ولا يحدث في الخيال أو في دراما تلفزيونية، بل وسط بيوتنا، خلف أبواب مغلقة، وأحيانًا في صمتٍ قاتل لا يراه أحد.
تفريق، تمييز، وإهمال ممنهج
يبدأ المشهد حين يُفرِّق الأب بين أبنائه، فيُحبّ أحدهم دون الآخر، يُغدق عليه بالعطايا، ويُغالي في مدحه، فقط لأنه يُجيد "الكلام المعسول"، ويتقن فنّ "إرضاء الأب بالكلمات"، بينما يُهمَل الآخر، الصادق، الذي لا يعرف طريق التملّق، لكنه يحمل من الطموح والنية الطيبة ما يكفي ليكون فخرًا في ميزان الأبوة.
لكن… حين تُوزَّع المحبة على أساس المزاج، ويُقاس الرضا بمدى "السمع والطاعة المطلقة"، يُخلق جرح داخلي لدى أحد الأبناء... جرح لا يُرى، لكنه لا يندمل.
حين تصبح الفتنة سلاحًا
وتزداد المأساة قسوة عندما يُستغل هذا التمييز لتغذية الوقيعة، فيستخدم "الابن المُدلل" قربه من الأب لإشعال الفتن بينه وبين إخوته، فينقل له ما يُريد، ويُشكّكه فيما لا يجب، فيصدق الأب... ويظلم دون وعي.
الابن المظلوم هنا لا يجد سندًا.
يظل ممزقًا بين برّ والده، واحترام مكانته، وبين وجع داخلي، ينهش قلبه، كلما شعر أنه منبوذ... بلا ذنب.
الخذلان لا يُنسى... والعدالة لا تورّث
فهل نُطالب الابن دائمًا بالصبر والبرّ، بينما لا يُسأل الأب عن عدله ومحبّته؟
ألم يقل النبي ﷺ:
> «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»؟
فالعقوق لا يولد من فراغ،
وما كان قابيل عدوًا إلا لأخيه هابيل...
الحقد أحيانًا يولد في أقرب الأماكن،
وكانت أول جريمة في الأرض، جريمة شقيق تجاه شقيقه.
نبات الريحان لا يُنبت أشواكًا
الطبيعة لا تكذب...
فكما لا يمكن لنبات الريحان أن يُخرج شوكًا،
لا يمكن للمحبّة الحقيقية أن تجرح.
لكن الحنظل يبقى مرًّا، مهما غطّيناه بمُنكهات ومُسكّرات.
وفي بيوتنا، هناك أبناء يتحمّلون ما لا طاقة لهم به،
يصبرون على الإهمال، والتجريح، والتفرقة،
في سبيل الحفاظ على صورة الأب، أو خوفًا من الوقوع في ما يُسمى "عقوق الوالدين".
لكن… أليس هناك "عقوق للإنسانية" حين يُظلم الابن تحت مظلة الصمت والبرّ الأجوف؟
رسالة لكل أب...
على كل أب أن يعلم:
أنه ليس كل الآباء أهلًا للبرّ،
فالبرّ ليس أمرًا يُنتَزع بالقوة، بل يُستحق بالحب والعدل.
برّوا أبناءكم... تبرّكم أبناؤكم.
ولا تنسوا...
كما أن لكل زراعةٍ حصادًا،
فلكل قلبٍ جرح، ولكل فعلٍ مردود،
فما تزرعه في أبنائك اليوم،
ستحصد آثاره... في شيخوختك وغدك ومماتك.
---
نشر في قسم: "اجتماعيات" – جريدة كلمة حق
للتواصل مع الكاتب: مصطفى كامل الشريف.01227977115
تعليقات
إرسال تعليق