# **سقوط أم انتحار الأوطان؟**
✍️ بقلم/ أشرف فرج الله
دائمًا ما أُكرر في مقالاتي مقولة سطّرها قلبي قبل قلمي، وسأظل أرددها حتى آخر أنفاسي:
**"مصر في القلب والدم والضمير."**
لماذا؟ لأن سقوط الأوطان لا يعني فقط ضياع حدود، بل هو سقوط للكرامة، وذُلّ للإنسان، وتيهٌ في غياهب الضياع. من يفقد وطنه، يفقد كل شيء. انظروا إلى الدول التي اجتاحتها رياح ما يسمى بثورات "الربيع العربي"، وقد باتت أطلالًا تتجول فيها طيور الظلام. تلك الثورات التي خُدع بها كثيرون، لم تجلب إلا الخراب، وأتاحت للخونة بيع أوطانهم بثمن بخس، حفنة من الدولارات، لصالح المشروع الصهيوني وأعوانه من الحلفاء الدوليين.
فصون الأوطان يشبه صون المرأة لعفتها، كلاهما عرض يجب ألا يُمسّ. حينما تهتز الدولة، تضيع الحماية، وتنتهك الحرمات، وتتفشى الجرائم. انظروا ما جرى في السودان الشقيق، فقد أدت الحرب الأهلية إلى مآسٍ إنسانية فادحة، منها تقارير عن انتهاكات وجرائم اغتصاب طالت بنات الوطن على أيدي بعض قوات الدعم السريع، وموجات نزوح تخطّت المليونين إلى دول الجوار، أبرزها مصر، التي فتحت أبوابها كعادتها كملاذ آمن لكل العرب. والأخطر من ذلك، تهديد الملايين بالمجاعة وسط غياب شبه كامل لمؤسسات الدولة.
عندما تسقط الأوطان، تتفكك الدولة، ويستفحل الإرهاب، وتتحول الأرض إلى بؤر توتر وصراع، لأن الإرهاب ينمو في بيئات مهترئة تفتقر إلى السيطرة.
لقد أشرت سابقًا في مقالي "أنا مع الاستبداد" - الذي عنيت به *الاستقرار الحاسم لا الظلم الجائر* - إلى أن الفراغ الذي خلفه سقوط الدول أدى إلى دخول الجماعات المتطرفة إلى المشهد، كما في سوريا، حيث تعرضت الأقليات، من علويين ومسيحيين ودروز، إلى اضطهادٍ ممنهج ضمن مخطط مرسوم لتفكيك البلاد.
من أخطر ما أفرزته تلك الفوضى هو تغلغل جماعة الإخوان المتأسلمين، الذين نجحوا في ضرب الجيوش العربية من الداخل، وتحويل ساحات العمل الوطني إلى مراكز للطائفية والانقسام. لم يكن هدفهم إقامة دولة، بل تفتيت الكيانات.
وأخطر ما في فكرهم أنهم يزرعون الكراهية ويرفضون الآخر. وأوضح الأمثلة ما حدث مؤخرًا في كنيسة مار إلياس بدمشق، حين فجّر إرهابي داعشي نفسه وسط المصلين، في حادث دموي مروع لم تشهده سوريا منذ 80 عامًا، حسب ما ذكره أحد البطاركة.
المدعو "أبو محمد الجولاني"، الذي كان بالأمس أحد أخطر الإرهابيين المطلوبين دوليًا، بات اليوم حاكمًا لأجزاء من سوريا، بدعم من قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل. فهل يُعقل أن يتحوّل سفّاح الأمس إلى شريك في إدارة البلاد؟! إليكم بعضًا من تاريخه الأسود:
* تفجير محطة مياه ببغداد عام 2004، أسفر عن 41 قتيلًا بينهم 35 طفلًا.
* تفجيرات مدينة الصدر 2006، عبر 6 سيارات مفخخة، أوقعت 215 قتيلًا و257 مصابًا.
* سلسلة تفجيرات سوق الصدرية 2007، خلفت 198 قتيلًا و251 مصابًا.
فكيف لهذا التاريخ الملطخ بالدماء أن يُنسى أو يُتغاضى عنه؟!
إنه زمن تتبدل فيه المواقف، وتتعرى فيه الشعارات، لكن دماء الأبرياء لا تسقط بالتقادم، وغضب الله لا يغيب عن ظلم البشر وسفك الدماء.
ولعلنا هنا في مصر، رغم معاناتنا من ارتفاع الأسعار وضغوط الحياة، يجب أن ندرك قيمة الأمن والاستقرار، فهما تاج على رؤوس الآمنين لا يراه إلا من فقده.
ولن ننسى موقف البابا تواضروس الثاني بعد الهجوم الغاشم على الكنائس إثر فض اعتصام رابعة، حين قال كلمته الخالدة:
**"وطن بلا كنائس، خيرٌ من كنائس بلا وطن."**
كلمات تفيض وطنيةً وحكمةً من رجلٍ قدّم مصلحة الوطن على كل شيء، ورفض الانجرار إلى الفتنة الطائفية التي أراد أعداء الوطن إشعالها.
ختامًا،
علينا أن نعي أن الخراب لا يعمّر، وأن الوطن إذا تهدّم، لا يُبنى بسهولة. فحافظوا على مصر، فليس لها بديل.
**اللهم احفظ مصر، وامنحها أمانًا دائمًا، وولّ عليها من يخافك ويرعى مصالح العباد.**
**اللهم احمِ أمتنا من كيد الكائدين، وردّ شرّهم إلى نحورهم، وانصر كل مخلص يحب وطنه، مسلمًا كان أو مسيحيًا.**
---

تعليقات
إرسال تعليق