لست كارها للمرأة

 مؤامرة على الثقافة

د. مدحت علد الجواد



لست من هواة حضور الصالونات الأدبية والشعرية وحتى الثقافية، وليس ذلك ترفعا أو تكبرًا – معاذ الله – ففيها من القامات الفكرية والعلمية ما يسعدني ويشرفني مجرد اللقاء معه أو مصافحته، لكني حانق وغاضب أن تجتمع هذه القامات؛ لمناقشة قصائد تدور حول امرأة أو كتاب لايحوي بين صفحاته غير أحاديث الغريزة والنساء، ولست كارهًا للمرأة أو عدوًا لها، لكن يحزنني أن تتغافل تلك الاجتماعات عن قضايا الثقافة الرئيسة، وتتغافل هذه العقول عن مشكلات المجتمع الذي يحتاج أبناؤه إلى كل فكرة من شأنها أن ترفع من قيمة المجتمع، ولكم دُعيِتُ فاعتذرتُ في رفق؛ لأنني شعرت أنها مؤامرة؛ لتغييب الوعي؛ ولأنها مضيعة للوقت، وكلما رقبت الساح وجدت أن تلك الوجوه بعينها، وتلك المناقشات بعينها لاتتغير بل إن المتغير الأوحد هو ذلك الإطار الذي يغلفها، فكنت أقول في نفسي الأولى والأجدر العكوف على كتاب فلم يحن الوقت بعد، ولست أتهم هؤلاء، ولاغيرهم بالتآمر والخداع للعامة بل أتطلع لليوم الذي يجتمعون فيه لمناقشة قضايا فكرية تشكل تأثيرًا وأهمية في حياة المجتمع؛ فإذا صار الوضع على ما هم عليه فستضيع قيمتهم ويقل وزنهم ومع الأيام ستزول ظاهرة الخداع البراقة، إن المفكر الذي يظهر يومًا ليحدثنا عن مفاتن المرأة بينما يضج العامة تحت وطأة المشكلات لهو خائن لفكره يشبه الخمر التي تغيب عقول العامة، وتصرفهم عن حل مشكلاتهم، ومن يدعي كذبًا أنه يخشى المساعدة والمناقشة لقضايا المجتمع مُلقيًا باللوم على الدولة فهو كاذب مدع، فلطالما نادت القيادات ونادى المسؤلون بالمساعدة في حلول القضايا العامة، وتقديم الأفكار بل والأكثر من ذلك استعانوا بالكثيرين من رجال الفكر والثقافة، وليس هناك نظام على وجه الأرض لا يطلب الفكر المستنير إنما الطامة في الفكر الرجعي والهدام، فهم ونحن نحاربه من أجل أنفسنا وأوطاننا.

لذا فقد بات الأمر ضربًا من الجهود الخداعة والمهدرة، وعلى مثل رأيي هذا من تلك الاجتماعات والمناقشات البراقة كثير من العلماء الذين لن تسمع بهم الصحف ووسائل الإعلام، يكتفون بدور المتفرج الذي يراقب من بعيد حلقات السيرك ضاحكًا مستهزئًا، وكم من علماء أكاديميون ينأون بأنفسهم عن هذا المنزلق...

ولعل قليل العقل يسيء الفهم بأننا ضد هذه الظاهرة على العكس تمامًا بل أنني أرقب اليوم الذي يتغير فيه المسار للطرح المقدَّم في هذه الاجتماعات، أرقب اليوم الذي تتشارك فيه هذه العقول مسؤلية تقدم الوطن ونشر الوعى الصحيح، أرقب اليوم الذي تقوم به بدورها في خدمة أبناء الوطن .

إنه ليحزنني أن أرى شاعرًا عملاقًا أو شاعرة متألقة أو أديبًا يمتلك أدواته ويعلو منصة الفكر وإذا به يشدو كل يوم عن المرأة ، أليس يجدر بنا في ساح الحرب أن نهجر النساء ؟! 

أليس الوطن يحتاج إلينا لنشارك من يبنون قواعده ؟! أليس للعلماء دور في صناعة فكر الأمة ؟!

فإلى متى تطالعنا هذه الوجوه بنفس الأفكار، وتلك السطحية، فإن ظلت هكذا فمن الأجدر لها أن تتوارى فإن رائحة العفن بدأت تفوح من هذه الأكوام .

وليتهم يفهمون أن للشعر رسالة ودورا يحمله بين طيات النغم، وأن للنثر رسالة تكمن بين رمزية الأحرف، وأن للفكر رسالة تُصلِح الأمم .

فإن النساء يكرهن الجبان، ويمللن من يطيل الغزل، وإن الرجال قل منهم الشجعان وندر .

تعليقات