قصة قصيرة للكاتبة هدى حجاجى

--- ليس للسعادة أجنحة----

كتبت\ هدى حجاجى أحمد

التهبت  مشاعرها ....فهى  على مشارف  السعادة الحقيقية  الم يتقدم للزواج  منها رجل  تتمناه  آى فتاة عصرية ؟...يعمل فى أرقى الوظائف المهمة  فى الدولة ..فى أوربا أكثر من عشر سنوات ...يجيد عدة لغات ...من بيئة راقية  ...مفرطة فى التألق 
وتم الزواج  فى أفخم النوادى  فى العاصمة ...ومضى شهر العسل ..وفجأة هبت رياح  فخلعت  كل الاوراق  الهزيلة  من فوق الاغصان  الجافة ..واكتشفت ان حماتها  امرأة حديدية ..لا تترك فى القصر شاردة  ولا واردة  الا رصدتها  ووجهتها الى  ما تريد  فى البداية كانت ...السيدة الكبيرة ...حماتها  ..تصمت فى وقار ...وسرعان ما تحول الوقار الى صرامة  وحدة فى الطبع ...ومرت شهور  أقل عسلا ّ.. واكتملت جوانب  الألوان الرمادية  بالروتين اليومى للحياة ..! ثم عرفت – بالتدريج  - متى يتكلم زوجها من نفسه  ...ومتى يتكلم بكلمات أمه ...سيدة القصر الاولى بلا منازع 
قال لها يوما : أمى سيدة من الماضى ..بمعنى انها تحلم بالاولاد  والاحفاد الذين  يحملون أسم الاسرة  ويستمرون بلقب العائلة 
ضحكت المرأة  من رياح القرن التاسع عشر  وهى تهب  على القرن الواحد والعشرين  وقالت 
- لا بأس ...لا بأس ...فكرة طيبة  على كل حال  ثم راحت  تتجاهل الطلب  العاجل والعجيب ...ومضى العام بعد العام 
- واستطالت أنف الحماة ..وابتدأت  تتحدث بصراحة قبل أن أموت ...أريد رؤية أحفادى ...مفهوم ...أنت  الزوحة الوحيدة لابنى ...الوحيدة حتى الآن 
- يرتبك الزوج ...طوفان من  الحمى يجتاح  المرأة  الشابة الجميلة ...لا تدرى ماذا تقول  وأزعجتها (الوحيدة حتى الآن )  ولمست روح الغضب والتحدى 
- وقبل النوم قال  لها زوجها  بتودد : فلنذهب الى طبيب متخصص 
- سمعت فى رنة صوته لحن أمه المقضل ..انتابتها  نوبة غضب مفاجىء ...فراحت تكظم الغيظ  ...فهى تعرف ما يقال  عن الحقوق ...و...و...... وقالت وهى تدارى أنفعالاتها 
- لنذهب الى الطبيب ...موافقة وأذا قال  أنك السبب  فهل أطلب منك الانفصال ؟  واذا جاء ((العيب)) منى  ...فهل .... تطلقنى ؟....ام تتزوج باخرى...حتى تحصل على ذرية تسد بها عين  الشمس ؟...ثم أضافت بسخرية ....حتى تستمر الامجاد  كان رنين الكلمات مخيف ...فأول مرة تجرى  على شفتيها  كلمات مثل (الانفصال )  (الطلاق ) ....بدت الالفاظ غريبة  لا تدرى لماذا  تذكرت زوجة الحارس 
- عرفت المرأة الجميلة ...أن حبيب الامس مجرد دمية فى يدى أمه ....فهل ينزل عن مستوى بصرها ؟..
وفى اليوم التالى ذهبا الى عيادة الطبيب  وبعد طوق ترقب ...وعصبية واضطراب ظهرت النتيجة ...أنها السبب أو بلغة حماتها (العيب منها ) فهى عاقر 
كوجه الشمس المعلنة ...ظهرت الكلمة عاقر ..بمجئ الهم  الألم  والظلام تهمس ...عاقر ...عاقر ....قالها الطبيب  بألف صيغة مؤدبة ...وألف معنى لا يخدش الحياء  ولا يجرح الشعور ...فاتحا لها باب الأمل ...الطب حقل خصب ...ينبت فيه الجديد كل يوم جديد .....سيدتى الله أكبر من كل شئ ....منى ومن الطب  ومن هذه الآلات الصماء  ..فلا تيأسى من رحمة العلى القدير 
وعاد الرجل والمرأة الى بيتهما ...ذلك القصر الواسع  وأتسعت  بينهما فجوة رهيبة .....ينبغى ان تكون باردة 
وامسكت الحماة بالفرصة فى يدها ...ونسيت أنها امرأة مثلها  وبلا موارية  قالت لابنها  وبصوت عال 
اذا كنت تحبها ابق عليها ...وتزوج غيرها ...وليس لها حق الاعتراض 
ثم صمتت لحظة واضافت ...تصرف بالعقل ماذا تنوى ان تفعل 
لا يدرى لماذا  فقد النطق ....انه يجد السعادة مع زوجته  فلماذا لا يسلم بالمكتوب  ولماذا يستسلم لشروط الام  سمعها تقول له بحسم  - تماما كما كانت تحادثه  وهو فى العاشرة من عمره  لا تصمت  هكذا كالمسمار ....الدنيا استمرار ...اسمعالشجرة التى لا تنبت  تقطع وتلقى  فى النار 
قال  الرجل وقد عاد الى سن الطفولة أمى أنا حزين  قليل الحظ  ....وراح يبكى 
 ولكنه فى الصباح  قرر ان يفكر  فيما قالت أمه  فتح عيناه على منظر غريب ...زوجته لم تنم طول الليل ...ظلت ساهرة بملابس الخروج ! وقالت له بأدب وأنكسار 
-أنا ذاهبة الى بيت  أبى  ...أرسل لى ورقة الطلاق  فى هدوء ...ولا تجعلنا ننسى الايام الحلوة ..ربما نظل أصدقاء ربما ....
تماسكت  وهى تتكلم معه  لا تريد البكاء ...هل تضيع  الأيام والأحلام  فى ضربة واحدة ّ...وأصبحت مطلقة 
والعجيب فى الامر ...أنها عرفت الحرية  لأول مرة فى حياتها !.. ففى حياتها  وهى طالبة وهى زوجة  ...كان هناك الأمر  دائما  الآمر الناهى !..... وسرعان ما عرفت   أن الحرية   محاطة بالخراب 
وجاء زمن الملل ....لكنها لم تستسلم ...حاربت الملل وجابهت  السأم ....وراحت تندمج فى العمل ...تمرنت فى مكتب هندسي ...واكتشفت طاقتها المعطلة 
وقال عنها الزملاء ...انها مهندسة قديرة ...وراح النجاح يأتى بالنجاح ....وراح الناس يعرفونها  بقدارتها  ...وارتفع اسمها فى أكثر من  موقع عمل ...ولمست أن أسرتها تحبها  وتقدم لها العون وقالت لها أختها (كانت فين المواهب المدفونة ؟)  وتجرأت بالتدريج على دنيا الكبار  وكلما صعد السهم  الى فوق ...جاء الحب يعرض نفسه  متمسحا  فى دنيا المال والاعمال ...ولكن همها الاول كان العمل 
وتقول لنفسها العمل أولا ....العمل ثانيا .....العمل أخيرا 
أما الحب فهو وظيفة المتعطلين الفاشلين  وفى غمرة الاوراق والرسوم الهندسية  والجلوس على طاولات مضاءة  بالكشافات  ومساطر حرف (تى)  ...وجو معبق التدخين  ...وعشرات فناجين القهوة     صارت – دون ان تدرى  - عصبية المزاج ..تتحدث بالمسطرة  القهوة ....نسيت أنها امرأة جميلة  وتقمصت الى أبعد مدى  شخصية .....رجل الاعمال والقلم والحساب 
ولكن هذا الصباح ....كان الجو صحوا تلاشت  الرطوبة تماما وهى تؤثر على مزاجها ...جلسة فى حديقة واسعة ....مغطاة باللون الاخضر ...مرصعة بالورود  البيضاء والحمراء والصفراء والبنفسجية ...وحولها أشجار ترتفع الى مالا نهاية رأت الأطفال يلعبون ...يمرحون ....يغنون ويرقصون 
لمس هذا المنظر أعمق أعماقها  أرتعشت من الداخل  ارتمت على بصرها  صورة سيدة ...ليست غريبة عليها ...تذكر ملامحها رويدا رويدا  ...ثمة تغير  ...ولكنها ...هى !!
واقتربت منها السيدة ..تتفرس فيها ..تعارفا وارتمت كل منهما  فى أحضان الآخرى  ..هبت رائحة زمالة الجامعة ...حب قوى راحب  تقبلها بنهم ....تعصرها تريد ان تشدها الى السيرة الاولى ...ايام المذاكرة والكد والاجتهاد  والأحلام ...دنيا أكثر براءة ...ايام الصفاء التى لا تعوض  قبل أن ايام أيام الخبرة والحزن راحت المرأة الآخر تتحدث الى صديقتها  بعض الشعر الابيض يتسلل  الى الفودين  تجاعيد ضعيفة تحت العينين تشكى لها متاعب الاولاد وأنها لسوء الحظ تنجب تؤائم .....تقول لها عندى  المريض والقوى والمهمل فى واجباته  المدرسية والمراهق  العنيف المتعل للمشاكل  فى المنزل أو خارج المنزل  وهو يغازل بنات الجيران ...الاولاد أمتصوا شبابى  الزوج المحترم  يقرأ فى جريدة  ويطلب فنجان قهوة  صدقنى مجرد شغالة  فى البيت  كناسة ...وطباخة  وغسالة ....تصورى ....توقفت عن دراساتى العليا  ومنذ تخرجى لم أقرأ كتابا واحد  وكل ثقافتى مجرد عناوين 
امتعضت المرأة ....لا بد أن زميلتها السابقة  لا تعرف عنها  آى شئ  المرأة تحكى  وتندفع كالمدفع  الرشاش ....لا تلاحظ هموم السامع ..تقوم بعملية تفريغ  لهمومها 
ويبدو أن صديقتها آخر الامر –انتبهت لتدفقها ..سألت صاحبتها  بطريق لاهسة : وانت ....كيف حالك ...لم تحكى لى 
-الحمد الله ...كل شئ على ما يرام  الصحة والمال والعمل 
لم تحدثينى عن ظروفك العائلية ...ارتفعت السخونة بين الاذنين ...اجابت بأختصار يلوى جميع الآلام الى الداخل :  تزوجت ...وطلقت لعدم الانجاب ..زواعيش مع العمل وللعمل 
شعرت المرأة الآخر ى بالخجل ...وشعرت  باحساس  من انزلق فى قشرة موزة  على قارعة  الطريق ..! 
عقبت بكلام محايد الحياة لا تريح أحد  وتنهدت وهى تشعر بسعادة خفية ..وأضافت أجل يا صديقتى 
الدنيا مشكلة لكل من يمشى على الارض ....ثم شعرت بسخافة كلماتها ....وأنها تقوم بالعزاء  دون وداع وبلا قصد  نظرت فى ساعة  معصمها  وأردفت ...عندى مشاغل  ...بعد اذنك ...فالأولاد يسحلوننى ...أتمنى أن أراك قريبا  أو أسمع صوتك  فى التليفون مع السلامة !... وانطلقت بعيدا ومعها الصغار 
عادت المرأة  الى وحدتها ...فطنت ان فى الجو رائحة  خبيثة ...آه ...انها تجلس بالقرب من مبولة الحديقة  فنهضت لتمشى ...حلقت بعض العصافير  الرشيقة ...وتمنت  من أعماقها ...أن تنضم  لفصيلة الطيور ...كى تحلق الى البعيد

تعليقات