قصه وعبره "الضمير "ميت يستحق الرثاء "

زوجه بشير بن سعد

محمد عمار

تَضوَّرُ جوّعاً ، قادتني قدماي بخطي سريعه لتوقفني علي عربه فول ، في إحدي شوارع القاهره ، وكما تعود من الأكل علي هذه العربات ، رسمت في مُخيلتي من الطعام ما تشتهيه الأنفسُ وتلذّ الأعُين ، جري ريقي ، وأنا في لهفه الأنتظار ، رأيت من الطعام عكس ماخيُل لي عقلي ، أظن إنه كذب عليّ تحت تأثير الجوع ، الخبز يحتاج إلي مُنشار لشقه و طحاونه لمضغه ، الفول الذي يجذبك برأحته ويكبلُك بشكله هو ما نفّرني من الأكل ، وكأنه خارج من الثلاجه للتوء ، بدأ أستيائي من قله جوده الطعام ، وتدني الخدمه ، وسوء المعامله ، فسألت الشاب الذي يقف علي العربه عن سبب إهماله المتعمد ، والا مُبالاه التي يتعامل بها مع زبائنه ، وأمطرت عليه سيل من الأسئله حركتها رياح أسلوبه العجيب ، أليس هذا هو أكل عيشك؟ ومصدر رزقك ؟ الموضوع يحتاج منك قليل من الأهتمام فقط ، رد بكلمات وجدت صدي إحساسها الأمرّ من الفول في صدري ، و بنبره يملأوها الجد والحماسه رد قالاً : (يا أستاذ أنا أقدر أخلي طعم الفول عندي أحسن من كنتاكي ) وبداء في سرد قصص بطولاته في عمله علي مر أعوام وعرض أفكار لتحسين من عربه الفول بطريقه كأنه يقف خلف الكاميرات يقدم إحدي برامج الطعام عن فن الطبخ ، حديثه يدل حقًا علي إنه من أهل الخبره ، إذًا ما العائق الذي يمنعه ؟رمقت ببصري الطعام و دمجته بحديثه وكأنني أشاهد فلمًا وثائقى من العجائب والطرائف ، تناقض أوقفني علي الحد الفاصل بين الجد والسخريه ، هل يسخر مني ؟ بالتأكيد يسخر مني ، كيف له أن يملك كل هذه الخبره وحاله هكذا ، وبدأ تأثير الفول يظهر مفعوله فقطعت حديثه بنبره أكثر حده من نبرته ، ورد فعل للغيظ الذي يحيك به صدري ، ما الذي يمنعنك ؟ ما العقبه؟ العربه والمعدات موجوده !! والأفكار تكفي لتأليف كتاب عن فن الأكل علي عربه الفول ! جاء رده كامتحدث رسمي بأسم الأف بل ملايين في مجتمعاتنا اليوم ، تكلم بلسان حال مجتمع كامل ، شخّص بكلماته مرض عضال يتفشي في جسد المجتمع كله ، رد قالاً ( يا أستاذ دي مش عربيتي دي عربيه شغال عليه بالأجره ) إنه يعاني من نقص حاد في الغده المسئوله عن إفراز هرمونات الضمير فنقصها هو مكمن العلل وبيت الداء ، لقد جفت منابع الضمير في أنفسنا ، فجدبت أرض المجتمع ، وأصحبنا نعاني من جفاف قضي علي مزارع الخيرفي أنفسنا فماتت شجره الأمانه ونبت شوك الخيانه ، وزبلت زهور الصدق ، ويبست جذور الأخلاص ، لقد هلكت مزرعه الخير في أنفسنا بسب القحط والجدب الذي ضرب أرضها بعدما جفف منابع الضمير ، إنه الجهاز الرقابي علي مملكه النفس ، عندما أغفلنا محاسبه أنفسنا تعمق الفساد واتشبست جذوره في قلوبنا لقد مات فينا الضمير بل إنه الميت الوحيد الذي يستحق أن نقيم عليه المأتم والعويلا ، يحق علينا أن نرثيه ونعيه في مُكبرات الصوت كل صباح بدل من نعي الموتي لأنه أعظم فاجعه من موتي الجسد فإذا مات فرد فهو فرد وأحد ، وإذا مات ضمير لفرد قد يعقبه موت آمه كامله ، لو رجعنا إلي صحابه رسول الله صلي الله عليه وسلم لوجدنا أن الضمير في نفس أحدهم يكاد يحمل سلا ح يهم بضرب صاحبه لو قام بمخالفته ، كان ميزان يضبط كفه أنفسهم وكفه الحياه من حولهم لتستقيم كفه دنياهم مع كفه آخرتهم ، إن الضمير توقظه النفس المستقيمه والنفس كالدابه إن ركبتها حملتك وإن ركبتك قتلتك والنفس تحتاج إلي الترويض والحذر كأنما تروض وحشاً بري ضاري ، وحاجتنا للضمير في حياتنا كحاجه الذي يسير في صحراء إلي بوصله تحدد إتجاه طريقه فإن حدد اتجاهه صوب ما يريد إهتدي إلي طريقه وإن حدد إتجاهه خطاء ضل طريقه ، هذه صوره من صور غياب الضمير اليومنموذج آخر من أصحاب الضمائر الحيه التي رسمت لنا صوره من صور المجتمع اليقظ في محاسبه ضمائرهم ، هي سيده جليله لم تقف علي مسرح السينما لتمثيل دور كُتب لها ويملي عليها كلماته من خلف الكاميرات وتبكي بدموع كاذبه ، لكنها وقفت بقدميها علي مسرح الدنيا وحطامها ، وغمدت سيف الضمير الحي في صدر الدنيا ، أعطت درس يضرب به المثل في يقظه الضمير إلي يوم القيامه ، كلمات تكتب كدستور في دأخل كل نفس ، كلمات تبقي مابقيت الدنيا ،
هي سيده جليله كريمه من صحابيات رسول الله صلي الله وعليه وسلم إنها زوجه بشير بن سعد وبشير صحابي جليل ، ماقصه زوجه بشير بن سعد مع الضمير ؟ إن بشير بن سعد تزوجها وكان له أولاد من زوجه آخري وأنجب منها النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، وأراد بشير أن يجامل الزوجه الجديده فأراد أن يكتب لابنه النعمان حديقه يخصه بها عن إخوته ، يافرحه أم النعمان بهذا الخبر ، ولما لا تفرح ! وفي أيامنا هذه تحكم الزوجه علي زوجها بهذه الأحكام التي لا تقبل ، النقض أو الأستئناف ، هل وأفقت الزوجه علي هذا العرض ؟ بالتأكيد ساتوافق لوكانت من نساء اليوم هذا طبيعي بالنسبه للمجتمع اليوم ، ولكنها تربت في مدرسه لصناعه الأنفس والضمير ، لقد ربي رسول الله صلي الله عليه وسلم نفوسهم فهكذا كانت ضمائرهم ، لم يكن الأمر بالهين أن يختص ابنها ويحرم إخوته ، إنه الضمير الذي وقف ينادي في مملكه قلبها بكلمات كانت صدي لمجتمع كامل " لا والله لا أرضي علي هذا العمل حتي تشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم " وأصرت وثبتت قدميها علي أرض الأيمان الصلبه ، فوافقها بشير و ذهب ليشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي عمله هذا ، أكُل ولدك أعطيتهم حديقه ؟ هذا كان سؤال رسول الله صلي الله عليه وسلم لبشير بن سعد ، فقال بشير لا يارسول الله فقال أشهد غيري فأنا لا أشهد علي ظلم ، هذه مقارنه بما صرنا إليه وماكنا عليه ، وصورتين صوره التقطتها بعدسه عيني كانت صدي لصوت الضمير اليوم وصوره وصوره سطرها التاريخ لتكون صدي لمجتمع رباه رسول الله صلي الله عليه وسلم

تعليقات